هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أهلا و سهلا بكم في منتديات الشملي :: نسعد بزيارتكم ونتشرف بتسجيلكم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الانتقام قصة واقعية

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
محمد
Admin



عدد المساهمات : 53
تاريخ التسجيل : 09/03/2010

الانتقام قصة واقعية Empty
مُساهمةموضوع: الانتقام قصة واقعية   الانتقام قصة واقعية I_icon_minitimeالخميس مارس 25, 2010 6:03 am

ارجو من الجميع قرائتها
للنهايه قصه جداااااااااااا مؤثره






وربي تبكي الانتقام قصة واقعية Smile_cry





الانتقـــام
هذه القصة
تم نشرها بعنوان

الانتقـــام - بريد الجمعه - 17/11/2006

وبعد ثلاث
سنوات ارسلت صاحبة الرسالة تكملة القصة المؤلمة واليكم تفاصيلها
..

سيدي أكتب لك من داخل
القطار‏,‏ لذا اغفر لي ارتعاشة الكلمات وسوء الخط‏,‏ واستميح القراء عذرا في قسوة
بعض التعبيرات وفجاجتها‏,‏ ولكني لم استطع التعبير عن نفسي إلا بما حدث مجردا من أي
تنميق أو تجميل‏.‏

وأناشدك ألا تقسو علينا‏,‏
فنحن بنات قسا الزمن علينا طويلا‏,‏ وأرواحنا ـ كما أجسادنا ـ كلها ندبات
وجروح‏.‏

نحن ست بنات‏,‏ خمس شقيقات‏,‏
والصغيرة من أم أخري‏..‏ عشنا أيام طفولتنا وصبانا في عذاب لا يمكن وصفه أو تخيله
بسبب قسوة أب تجرد من كل مشاعر الإنسانية‏,‏ ولم نهنأ‏,‏ أو نغمض عيوننا إلا بعد
موته الغريب والمفاجئ‏,‏ موته استمر‏5‏ سنوات‏,‏ واعتقدنا أن الحياة السعيدة
بدأت‏,‏ وأن السماء تعوضنا عما عانيناه‏,‏ ويبدو أنها كانت أضغاث أحلام‏,‏ فها هو
الفزع يعود من جديد‏,‏ والنوم يستعد لهجرة عيوننا التي أدماها
البكاء‏.‏

دعني استرجع معك ذكرياتنا التي
لا تفارقنا لحظة‏,‏ فكل ألم عليه شاهد في الروح والبدن‏.‏ استيقظت عيوننا منذ
الميلاد‏,‏ علي أم كسيرة‏,‏ باكية دائما‏,‏ وأب لم نره في البيت إلا في يده سلك
كهرباء عار‏,‏ تنهال سياطه علي أجسادنا‏,‏ إذا بدر منا أي صوت‏..‏ هل يمكن تخيل طفل
لا يبكي؟‏..‏ نعم‏,‏ نحن‏,‏ كنا نعي أن البكاء حتي في الأشهر الأولي يعني ألما غير
مفهوم من يد شبح‏,‏ لم نكن نعرف ماذا يمكننا أن
نناديه‏.‏

أتذكر الآن‏,‏ عندما كان
عمري‏5‏ سنوات‏,‏ أمي حامل في شهورها الأولي‏,‏ كانت تستحم‏,‏ سقطت في الحمام‏,‏
فأخذت تستغيث بصوت منخفض حتي لا توقظ أبي النائم‏,‏ ولكنه للأسف مع بكائها‏,‏ هل
يمكن أن تتوقع ماذا فعل؟ لا أنسي ملامح وجهه في ذلك اليوم‏,‏ ملامح شيطانية
مفزعة‏,‏ لم يثنه دمها المراق علي الأرض‏,‏ لم يفزعه‏,‏ إنهال عليها ضربا ورفسا في
بطنها وشدها من شعرها خارج الحمام‏,‏ ونحن نبكي ونصرخ رعبا‏,‏ حتي تجمع الجيران‏,‏
وأخذها أحدهم فاقدة الوعي إلي المستشفي‏,‏ بينما توجه هو إلي غرفة نومه‏.‏ يومها
أصبت أنا الأخري بانهيار عصبي وظللت مريضة فترة
طويلة‏.‏

سيدي‏..‏ هل لك أن تتخيل ماهو
جزاء أي واحدة فينا‏,‏ لو لم تتفوق في المدرسة؟‏..‏ يحلق شعرها‏,‏ ويغرس وجهها في
صفيحة الزبالة ثم ينهال عليها ضربا بالسلك العاري حتي تفقد وعيها من شدة
الألم‏.‏

لم يكن أبي ينفق علينا‏,‏ ولا
تظن أنه كان فقيرا‏,‏ بل كان كما يقولون يلعب بالفلوس لعب‏,‏ معه أموال كثيرة من
تجارة الغلال‏,‏ ولكنه كان يأمرنا بالعمل ونحن أطفال لنشتري ملابس المدرسة‏,‏ وننفق
علي أنفسنا‏.‏ كنا نمسح سلالم أقاربنا والجيران مقابل أجر‏..‏ أما أمي فقد اشتري
لها إخوالي ماكينة خياطة‏,‏ إضافة إلي عملها في مصنع مجاور لمنزلنا حتي تنفق
علينا‏.‏

ذات يوم جاءت أختي متأخرة
قليلا من المدرسة‏,‏ فانهال عليها ضربا‏,‏ حتي هربت من البيت‏,‏ غابت أسبوعا ثم
عادت‏,‏ وبعد العلقة المعتادة اصطحبها عند طبيبة نساء للتأكد من عذريتها‏,‏ ثم قرر
تزويجها فورا‏,‏ أراد تزويجها من شيال في مقلاة لب‏,‏ وأمام قراره‏,‏ لم تجد أختي
إلا الانتحار حلا‏,‏ أحرقت نفسها‏,‏ تركتنا للعذاب ورحلت‏.‏ هل تعرف ماذا فعل هذا
الرجل الذي يطلق عليه أبا قال بأعلي صوته‏:‏الحمد لله ارتحت من واحدة‏,‏ عقبال
الباقي‏.‏

اقترح اخوالي علي والدتي أن
تترك له البنات الكبار‏,‏ وتذهب معهم بالبنات الصغار‏,‏ ولكن أمي رفضت خوفا علي
الكبار والصغار من بطشه وجبروته‏,‏ فقد كانت تري في وجودها بعض الحماية
لنا‏.‏

سيدي‏..‏ لايمكن لأحد تخيل
معني الذل والحرمان مثل الذي يعانيهما‏..‏ لن يستوعب أحد معني استحالة أن تتحرك من
موقعك في البيت أو تمشي حافيا لأن والدك نائم‏.‏ لن يفهم أحد معني أن ترتدي طوال
العام ـ صيفا وشتاء ـ فستانا ممزقا‏,‏ وتأكل رغيفا واحدا‏,‏ وتنام الليل خائفا‏,‏
وتصحو النهار مذعورا‏.‏

لك أن تتخيل كل شيء‏,‏ كل
أنواع العذاب والقهر والألم‏,‏ فليست أزمتنا الآن فيما فات‏,‏ ولكن دعني أكمل
لك‏:‏

منذ‏14‏ عاما‏,‏ أصيبت أمي
بنزيف حاد‏,‏ مما أغضب أبي‏,‏ فانهال عليها ضربا‏,‏ واستنجدنا بأخوالي‏,‏ نقلناها
إلي المستشفي‏,‏ ولكن قضاء الله كان أسرع‏..‏ ماتت أمي‏..‏ كلمة الحنان في
الحياة‏,‏ ورفض القاسي تسلم جثتها حتي دفنها أخوالي‏.‏ وفي الأربعين دخل أبي علينا
البيت وفي يده مطلقة عمرها‏20‏ عاما قال إنها زوجته‏..‏ وقتها كنت أعيش معه أنا
وشقيقتي الصغري‏,‏ بعد زواج شقيقاتي‏.‏ جمعنا أبي وقال لنا‏:‏ لو شكت لي منكم
كلمة‏,‏ فسأضع سلك الكهرباء في عيونكما‏,‏ وفرغ شقيقتي من عملها في مقلاة اللب
لتخدم زوجته الجديدة‏,‏ أما أنا فكنت أسارع بالعودة من عملي‏,‏ حتي أنظف البيت
وأطهو لهما الطعام‏.‏

المهم التفاصيل متعددة‏,‏ ولكن
الأهم أن أبي تزوج ثلاث مرات بعد أمي‏,‏ وآخر واحدة حملت رغما عنه فطلقها‏,‏ وعاش
بدون زواج حتي حدث ما حدث‏!.‏

سيدي‏..‏ منذ‏8‏ سنوات‏,‏ ذهب
والدي لأداء العمرة ولم يعد‏..‏ انقطعت أخباره عن الجميع منذ سفره‏..‏ توجه أعمامي
عدة مرات إلي السفارة السعودية يسألون عنه بلا جدوي‏..‏ لا يعرف أحد له طريقا‏.‏ هل
تدري كيف كان إحساسنا مع كل يوم نتأكد من غيابه؟‏..‏أصابتنا كريزة ضحك‏,‏ صرخنا زمن
العذاب انتهي‏,‏ روحة بلا رجعة‏..5‏ سنوات عشناها علي أعصابنا حتي أقمنا دعوي أمام
المحكمة لاعتباره مفقودا وعملنا إعلام وراثة‏.‏ بعدها فقط بدأنا نشعر أننا
آدميون‏..‏ انطلقنا في الشقة‏,‏ مزقنا صوره‏,‏ ألقينا بملابسه في صناديق القمامة‏,‏
حتي الملاية التي كان ينام عليها والبطاطين التي استخدمها‏,‏ شبشبه‏,‏ الأكواب التي
كان يشرب فيها‏,‏ الكرسي الذي جلس عليه‏,‏ كله حطمناه‏,‏ تخلصنا منه‏,‏ أتعرف ما
الذي كان يؤلمنا ويعذبنا؟ أنه مات بدون عذاب‏,‏ لم يعش أمامنا ذل
المرض‏.‏

حصلنا علي أمواله التي حرمنا
منها واكتنزها في البنك‏,‏ كل واحدة فينا بدأت تتحدث عن أحلامها‏,‏ واحدة ستشتري
ذهبا‏,‏ والأخري تشتري محلات ملابس‏,‏ والثالثة تشتري سوق الخضار واللحوم‏,‏ وهكذا
بدأنا في تنفيذ أحلامنا‏,‏ لا يعكر صفو حياتنا سوي منازعات أعمامنا فيما هو حق
لنا‏.‏

سيدي‏..‏ كان كل شيء يسير
طبيعيا حتي جاء هذا اليوم‏..‏ في شهر رمضان الماضي دعتني زميلتي إلي عقد قرانها في
أحد المساجد‏,‏ صليت ركعتين تحية للمسجد‏,‏ وفيما أنا خارجة في طريقي إلي القاعة‏,‏
لا أدري ما الذي دفعني للنظر خلفي‏,‏ هل يمكن تصور من كان يجلس علي الأرض؟‏..‏ إنه
أبي‏,‏ رجل عجوز ممزق الملابس‏,‏ لا يمكن‏,‏ هل عاد أبي‏,‏ أصابني الفزع واستعدت كل
تاريخي‏,‏ اختبأت‏,‏ خشيت أن يراني‏,‏ ثم توجهت إليه وأنا ارتجف‏,‏ نظرت إليه فلم
يعرني اهتماما‏,‏ استيقظت علي نداء صديقاتي‏,‏ فحضرت عقد القران‏,‏ ثم توجهت إلي
إمام المسجد وسألته‏:‏ هل تعرف هذا الرجل‏,‏ فقال لي إن أحد أقاربه أتي به منذ فترة
من القاهرة وأخبرنا أنه كان يعالج في المستشفي‏,‏ ويخدم في المسجد‏,‏ ويغسل السلالم
في العمارات المجاورة‏.‏

هل يمكن تخيل ذلك‏,‏ والدي
الذي كان يصحو العصر من نومه‏,‏ ويرتدي أفخر الثياب‏,‏ يمسح السلالم ويجلس علي
الأرض‏.‏ طلبت من الإمام أن يدعوه‏,‏ وسألته إيه حكايتك فقال لي‏,‏ إنه كان في
مستشفي في السعودية‏,‏ والسفارة هناك أخبرته أنه مجهول الاسم‏,‏ وهو لا يتذكر أي
شيء عن شخصيته‏,‏ وعملوا له وثيقة سفر ورحلوه لمصر‏..‏ هو يحكي وأنا أستعيد كل
المشاهد القديمة تفصيليا‏..‏ بكيت وبكيت‏,‏ لم أعرف لماذا أبكي‏,‏ هل هذا الرجل
المنكسر الذي ينظر لي بمحبة وحزن هو أبي
الظالم‏..‏

يمد يده ليأخذ مني بعض
النقود‏,‏ أتذكره وهو يقذف في وجهي صينية الطعام لأني نسيت شيئا‏,‏ يعيدني صوته وهو
يدعو لي‏:‏ربنا يطعمك ما يحرمك‏.‏ سألته‏:‏مش فاكر أنت كنت إيه زمان؟ وأرد في
نفسي‏:‏ كنت شريرا‏,‏ قاسيا‏,‏ بتضرب بسلك الكهرباء والشلوت ومسمينا الحلاليف‏.‏
نظر إلي طويلا وقال‏:‏ أنا حاسس إن ربنا بيعاقبني علي شيء عملته وغضبان علي‏.‏ لا
أعرف من أين أتيت بهذه الدموع‏,‏ هل كنت أبكي عليه أم لأنني تذكرته وهو يجر أمي من
شعرها وهي تنزف‏..‏ أتذكره وهو يرفض الذهاب إلي المستشفي
لدفنها‏.‏

عدت إلي البيت‏,‏ دعوت شقيقاتي
وحكيت لهن ما حدث‏,‏ لم يصدقن ما سمعنه‏,‏ فقررنا استدعاء محامينا‏,‏ واتفقنا علي
الذهاب إليه لرؤيته‏..‏ إندفعنا نحوه‏,‏ كادت واحدة تناديه بابا منعناها‏..‏ جلسنا
معه وبدأ المحامي يحكي لي حكايتنا مع أبينا ـ الذي هو الجالس أمامنا ـ تعمدنا ذكر
بعض كلماته مثل الحلاليف حتي نتأكد من ذاكرته‏,‏ فوجئنا به يبكي ويقول‏:‏كيف لأب
يفعل ذلك في بناته‏,‏ أنا كان نفسي يكون لي بنات مثلكم‏..‏ قالت له أختي‏:‏مش يمكن
ولادك لو عرفوا إنك عايش يتبروا منك‏,‏ نظر إليها باندهاش قائلا‏:‏ليه يابنتي إنت
قاسية قوي كده‏.‏

المهم سيدي‏..‏ عدنا إلي البيت
أكثر حيرة‏,‏ جاء خالي لنا وأخبرناه‏,‏ فقال إنه لابد أن يعود إلي بيته‏,‏ فهذا
حقه‏..‏ وقال المحامي‏:‏ إنه لو عاد سيستعيد أمواله منكن‏,‏ أعمامكم سيرفضون‏,‏
وسيقدر عليكن‏,‏ ولو عالجناه‏,‏ قد يعود إلي ما كان عليه وينتقم منكن‏.‏ قلنا مرة
ثانية عذاب وذل وبهدلة‏.‏

اتفقنا أن نذهب له كل شهر‏,‏
نمنحه صدقة تكفيه وطعاما وملابس‏..‏ فكرنا في إدخاله مستشفي والانفاق عليه ولكن
خشينا أن يشفي ويفهم ما فعلناه به فينتقم
منا‏.‏

سيدي‏..‏ عقولنا ترفض عودته‏,‏
ولكن ضميري يؤلمني‏,‏ صوت في داخلي يقول لي‏:‏إرحمي عزيزا ذل‏,‏ إرحمي آباك في
شيخوخته‏,‏ يكفي ما يراه من عذاب‏,‏ يغسل سلالم العمارات في عز الشتاء‏,‏ ألا يكفي
انتقام الله‏.‏

منذ أيام ذهبنا إليه وجدناه
مريضا في حجرة متواضعة بجوار المسجد‏,‏ وقال لنا إمام المسجد‏:‏ إن الطبيب أخبرهم
بمرضه بالسكر والضغط وماء علي الرئة‏..‏ أهل الخير أحضروا له الدواء‏..‏ وجدت
بجواره كيسا فتحته وجدت به خبزا عفنا‏..‏ أتألم له ومنه‏..‏ أتذكر ذات صباح عندما
استيقظ من النوم فلم يجد خبزا طازجا‏,‏ ففتح رأس أمي بغطاء ماكينة الخياطة‏..‏ وها
هو اليوم يأكل خبزا عفنا‏..‏ يا الله‏!.‏

سيدي‏..‏ نعيش في أزمة بين
ضمائرنا وبين ذكرياتنا المؤلمة‏..‏ نعجز عن الاتفاق علي قرار‏..‏ فقررنا الاحتكام
إليك‏,‏ لعلك تساعدنا علي اتخاذ القرار السليم بدون أن
تظلمنا‏!.‏

ـــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــ

سيدتي
ألتمس الأعذار لمن يري الظلم
ويعاني منه‏,‏ وتغيب أو تتأخر عدالة الله سبحانه وتعالي ـ لحكمة يعرفها ـ عن أنظار
العباد‏..‏ ولكن عندما يأتي عقاب الله وإنتقامه من الظالم أمام عيني المظلوم وفي
حياته‏,‏ أتساءل كيف لهذا المظلوم أن ينقلب إلي ظالم غافلا عن عدالة الخالق العظيم
الذي يمهل ولا يهمل‏.‏

سيدتي‏..‏ من يقرأ الجزء
الأكبر من رسالتك‏,‏ لابد أن يغضب ويتألم ويطالب بالقصاص من مثل هذا الأب‏,‏ ومن
يقرأ الجزء الأخير‏,‏ لابد أن يتمهل ويعيد النظر إلي الصورة مكتملة قبل أن يصدر
حكمه بدون قسوة أو اندفاع عاطفي‏.‏

أعتقد أنك لست في حاجة الآن
للتعبير عن الرفض الكامل لسلوكيات والدك قبل فقدانه لذاكرته‏..‏فمهما كانت الكلمات
فلن تعبر عن الألم والمهانة التي تعرضتم لها جميعا من سلوكيات هذا الأب‏,‏ والذي
لولا نهايته‏,‏ لكان الكلام فيها لا ينتهي‏,‏ فما فعله بعيد عن الإنسانية كل
البعد‏,‏ وليس فقط بعيدا عن الأبوة‏.‏

ستقولين إنه الماضي الذي يعيش
فيكن حتي الآن‏,‏ ولكن الآن ليس أمامك إلا التعامل مع الحاضر من أجل المستقبل‏,‏
فالعيش في الماضي لن يزيدكن إلا ألما‏.‏

فعندما تصلني رسالة غاضبة من
ابن لسوء سلوك أو رعاية أحد والديه‏,‏ تطل أمام عيني الآية الكريمة‏:‏ وإن جاهداك
علي أن تشرك بي ماليس لك به علم‏,‏ فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا‏..‏
الخالق‏,‏ الجابر‏,‏ المنتقم‏,‏ عندما يصل الأمر إلي الدعوة للشرك به من أحد
الأبوين‏,‏ يأمرنا بعدم طاعتهما في هذا فقط‏,‏ بينما يطالبنا سبحانه وتعالي
بمصاحبتهما في الدنيا معروفا‏,‏ هذا في حقه‏,‏ فما بالنا لو الأمر يتعلق بنا نحن
الأبناء البشر‏,‏ ألا ترين أن في هذه المصاحبة والتكريم أمرا إلهيا يجب الامتثال
إليه‏,‏ فإذا سلمنا بذلك‏,‏ واستندنا إلي أمر الإحسان ـ المتكرر في القرآن الكريم
والأحاديث الشريفة ـ إلي الوالدين‏,‏ وقررنا أن يكون القرار ابتغاء لمرضاة الله‏,‏
فإن قراركن سيكون واحدا ومحددا‏.‏

سيدتي‏..‏ إن لذة الانتقام لا
تدوم سوي لحظة‏,‏ أما الرضا الذي يوفره العفو فيدوم إلي الأبد‏,‏ واستمعي إلي قوله
سبحانه وتعالي وليعفوا وليصفحوا‏,‏ ألا تحبون أن يغفر الله لكم‏....‏ ألا تحبون أن
يغفر لكم الله‏,‏ كم هو مقابل زهيد‏,‏ مهما تكن قسوة الأيام‏,‏ فالتسامح يا عزيزتي
جزء من العدالة‏.‏

لا أريد أن أدخل معكم في
فرضيات‏,‏ لأن إذا قلت أنكن لو عالجتوه وأحسنتم إليه قد يعود إلي سيرته الأولي‏,‏
سأقول لكم ومن أدراكن أن الله قد يعيد إليه ذاكرته الآن ويزداد انتقامه منكن لأنكن
تركتموه‏.‏

إن ما أنتن فيه من حقه‏,‏ إنه
ماله حتي ولو كان ظالما لكن‏,‏ وعودته وهو فاقد الذاكرة ـ علي قدر ما أعرفه ـ لا
يعطيه الحق القانوني في التصرف فيما يملك لأنه ليس أهلا لذلك‏,‏ ولكن نصيحتي لك
ولشقيقاتك أن تكون قبلة قراركن خالصة لوجه الله سبحانه وتعالي‏,‏ وأن تذهبن إليه
فورا وتعدنه إلي بيته وتحرصن علي علاجه‏,‏ وثقي بأن الهناء والاستقرار والسعادة لن
يعرفوا طريقهم إليكن إذا ظل أبوكن ملقي في الطريق‏.‏ إن المنتقم يرتكب نفس الخطيئة
التي ينتقم لأجلها‏,‏ فلا تواصلن حياتكن وأنتن ترتكبن نفس الخطيئة‏,‏ والأولي أن
يبكي الابن من أن يبكي الأب‏,‏ كما قال المفكر
بترارك‏.‏

وخذي وعد الله سبحانه وتعالي
في كتابه الكريم‏:‏عفا الله عما سلف‏,‏ ومن عاد فينتقم الله منه‏,‏ والله عزيز ذو
انتقام‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

بريد الجمعة يكتبه - خيري
رمضان

هذا
الوحش! ...

بريد
الجمعه ... 2009 -11- 20

سـيدي‏..‏
أرجو أن تتذكرني‏,‏ ويتذكرني قراء بابك الأعزاء‏,‏ فأنا صاحبة رسالة الانتقام التي
نشرت بجريدتكم في‏2006/11/17,‏ نعم أنا التي كتبت لك عن والدي‏,‏ الذي كان يعاملنا
ـ أنا واخواتي وأمي ـ معاملة مهينة حتي فقدت أمي الحياة‏,‏ كمدا‏,‏ ورفض تسلم جثتها
ودفنها ‏,‏ ثم تزوج بعدها عدة مرات‏,‏ وبعد أن ذهب لأداء العمرة‏,‏ انقطعت أخباره
عدة سنوات حتي صدر قرار المحكمة بفقده‏,‏ وحصلنا علي ميراثه‏,‏ ولكن شاءت إرادة
الله أن أجده مصادفة بعد سنوات‏,‏ عجوزا منهكا‏,‏ فاقدا للذاكرة‏,‏ يمسح سلالم
العمارات‏,‏ ويتسول ثمن طعامه‏,‏ ودوائه‏,‏ بعد ان كان في رغد من العيش‏,‏ يحرمنا
نحن منه‏,‏ ويهيننا في أعمال مرهقة لننفق علي
أنفسنا‏!‏

سيدي‏...‏
قرأت ساعتها ردك علي رسالتي‏,‏ ونصيحتك لنا ـ أنا واخواتي ـ بالعفو‏,‏ وإطفاء نار
الانتقام‏,‏ الذي لن تدوم لذته سوي لحظات‏,‏ فجمعت أخواتي‏,‏ وأخذتهم ومعنا المحامي
وذهبنا لنري أبي الذي عاد‏..‏ سألنا عليه‏,‏ فدلنا أولاد الحلال علي مكانه‏,‏
وعلمنا انه تم نقله الي أحد المستشفيات الحكومية‏,‏ فذهبنا اليه هناك‏,‏ ورأينا
مشاهد مؤلمة‏,‏ فقد كان ينام علي مرتبة متهالكة‏,‏ في حجرة كئيبة‏,‏ بها كثير من
المرضي‏,‏ الذين أخبرونا أنه يذهب كثيرا في غيبوبة‏,‏ وأن الاطباء يريدون ان
يخرجوه‏,‏ ولكنهم لايعرفون أهله حتي يتسلموه‏.‏

ذهبنا للطبيب لنسأل عن حالته‏,‏ فقال انه يعاني من أمراض كثيرة‏:‏
ضغط وسكر ومياه علي الرئة‏,‏ وتليف بالكبد‏,‏ ودوالي بالمريء‏,‏ نقلناه الي أحد
المستشفيات النظيفة بالقاهرة علي مسئولية المحامي‏,‏ وعندما أفاق من الغيبوبة بكي
بشدة‏,‏ وقال‏:‏ وحشتوني‏,‏ لماذا لم تأتوا الي منذ فترة‏,‏ بكينا سيدي من هذه
الكلمات‏,‏ ومن حالته المأساوية‏,‏ ومن وصف الأطباء لأمراضه الكثيرة‏,‏ كان يقول
هذه الكلمات ودموعه تغرق وجهه الذي سكنته الشقوق والجروح‏,‏ وكأنه كان يشعر أننا
أولاده‏!!‏





بعد أيام‏,‏ طلب منا الاطباء
الاهتمام بعلاجه‏,‏ ونظافته‏,‏ ومعيشته‏,‏ وفوجئنا به يطلب منا أن نخرجه من
المستشفي لأنه علم أن الغرفة التي يقيم بها غالية الثمن‏,‏ وسامح الله شقيقتي‏,‏
فقد قالت له‏:‏ انت في حجرة متحلمش بيها أخفي وجهه في الملاءة‏,‏ وقال لي‏:‏
اخرجيني يا ابنتي من هنا‏,‏ واقرضيني ثمن العلاج‏,‏ وسوف أسدده لك إن شاء الله‏,‏
فقالت له أختي‏,‏ ومن أين ستسدد؟ قال‏:‏ سوف أعمل‏,‏ سأنظف البيوت‏,‏ وأمسح
السلالم‏,‏ هذا هو عملي‏,‏ وان لم استطع تسديد دينكم سأعمل عندكم بثمن العلاج‏,‏
أمسح سلالم شققكم‏,‏ وأنظفها‏!‏


لم تعط
شقيقتنا لنا فرصة لنشفق عليه بعد هذا الموقف‏,‏ فعلي الفور قالت له‏:‏ لقد كان لنا
أب‏,‏ لكن لم يرحمنا‏,‏ ولم يرحم أمنا‏,‏ حتي وهي مريضة‏,‏ فكان يجبرها علي العمل
ويقول لها اشتغلي بلقمتك علي الرغم من أنه كان يمتلك كثيرا من الأموال‏,‏ ولكنه
اليوم علي استعداد للعمل عند أولاده‏,‏ يخدمهم‏,‏ ليسددوا نفقات علاجه‏,‏ وهنا
تدخلت أنا‏,‏ وأخبرته أننا ننفق هذه الأموال عليك صدقة عن أمي المتوفية‏,‏ فأنت مثل
والدنا‏,‏ نهرتني أختي قائلة‏:‏ متطمعهوش فينا‏,‏ انت السبب‏,‏ ربنا ياخدك معاه‏,‏
كان لازم تقابليه‏,‏ وترجعيه تاني‏.‏


أصر أحد أخوالي علي الذهاب الي
أعمامي‏,‏ ليخبرهم أن أخاهم أبو البنات قد عاد‏,‏ وأنه حي‏,‏ لم يمت‏,‏ ويعالج في
المستشفي‏,‏ فكذبوه‏,‏ وحضروا إلي المستشفي‏,‏ وحدثت بيننا خناقة كبيرة وضربونا‏,‏
وكانت فضيحة في العائلة‏,‏ ولكن خالي ذهب الي قسم الشرطة‏,‏ وعمل محضرا ضد
أعمامي‏,‏ وجاء أمين الشرطة للمستشفي ليسأل العجوز‏:‏ انت مين؟‏..‏ قال‏:‏ أنا
معرفش حاجة‏,‏ هؤلاء البنات ساعدوني‏,‏ وأحضروني للمستشفي للعلاج‏,‏ وقال للاطباء
اني فاقد للذاكرة‏,‏ ولكني لو كنت فعلا أباهم‏,‏ فأنا مش عاوزهم يعرفوني تاني‏..‏
قالها سيدي‏,‏ وهو يبكي بحرقة‏,‏ فكيف لأب ان يضرب بناته‏,‏ ويعذبهم‏,‏ بل ويكون
سببا في وفاة أمهم‏,‏ هل كنت أنا هذا الوحش‏,‏ ان كنت كذلك‏,‏ فلا أريد أن أذكرهم
بما عانوه معي‏!!‏


خرج الرجل من المستشفي‏,‏ بعد
علاجه‏,‏ وعلم اننا بناته‏,‏ وكان كلما يري واحدة منا يداري وجهه‏,‏ وهو يبكي ويقول
اللهم قصر أيامي فأقول له انت مش مبسوط انك عرفت ولادك‏,‏ فيقول كان نفسي أكون
مبسوط ولكن ذكرياتي معكم ذكريات موت ولهذا لن استطيع العيش معكم‏,‏ سأعود إلي حجرتي
الصغيرة‏,‏ أكنس وأمسح السلالم‏,‏ والبيوت‏,‏ ولكن كل ما أطلبه
منكم يا ابنتي هو ان تسامحوني‏..‏ سامحوني
أرجوكم‏!!‏


كررها سيدي
أكثر من مرة‏...‏ سامحوني‏,‏ فقلت له لو سامحناك نحن في حقنا‏,‏ فمن يسامحك في حق
أمي؟‏...‏ فقال وهو يبكي يا ابنتي‏..‏ ياويلي من عذاب الله‏,‏ فلا أدري ماذا أقول
لربي عندما يسألني‏,‏ لماذا لم تنفق علي بناتك‏,‏ وقد رزقتك مالا كثيرا‏,‏ لماذا
تركتهن ومعهن زوجتك المريضة يعملن لينفقن علي
أنفسهن؟


..‏ ماذا سأقول لربي إذا سألني لماذا لم تتسلم جثة زوجتك‏,‏
وتدفنها؟‏!‏


أخذته
أختي الوسطي بعدها ليعيش معها‏,‏ ولكنها ـ سامحها الله ـ كانت تعطي له العلاج علي
معدة خالية لأنها كانت تقوم من النوم متأخرة‏,‏ وكان أول طعامه هو العيش الناشف
فكان يطلب منها ان تبلل له العيش ليستطيع مضغه‏,‏ فكانت تغرق العيش في الماء حتي
يتفتت‏,‏ فيلملمه بأصابعه الضعيفة‏,‏ وهو لا يملك ما يسد جوعه غير ذلك‏,‏ وكانت
كلمته التي يرددها دائما أهي أكلة والسلام‏!‏
الانتقام قصة واقعية Dont_know


لا استطيع ان أنسي مشهده‏,‏
سيدي عندما ذهبت لزيارته يوما‏,‏ فوجدته جالسا عند باب الشقة من الداخل‏,‏ حزينا
وخائفا فسألته ماذا جري؟ فأخبرني أنه تبول لا اراديا علي مرتبة السرير وان شقيقتي
قد نبهت عليه الا يفعلها مرة أخري‏,‏ بكي بشدة وترجاني ان ارحل به من عندها‏,‏
فأخذته وذهبت به الي اختي الاخري‏,‏ فقد كنت رافضة أن يعيش معي في الشقة‏,‏ فأنا
أعيش منفردة‏,‏ وكنت لا أريد أن أعيش لخدمته‏,‏ وكنت أقول لنفسي في بعض الأوقات
اتركيه يتبهدل عند ولاده ثم اذهبي به لحجرة الموت التي كان يعيش فيها‏..‏ أعرف انكم
جميعا ستدعون بأن ينتقم الله مني‏,‏ وقد قلتها بالفعل
لنفسي‏!!‏


عندما
دخلنا علي أختي باغتته بسؤال‏:‏ انت لسه عايش‏,‏ وكمان هتعيش معايا‏!‏ تعلق الرجل
في يدي‏,‏ وبكي‏,‏ واستحلفني الا أتركه‏,‏ وأصطحبه معي‏,‏ فأخبرته أنها أيام
قليلة‏,‏ ثم يعود إلي حجرته الأصلية‏,‏ تركته سيدي‏,‏ ولكن ظلت نظرة عينيه لا
تفارقني دقيقة‏,‏ وهو يتوسل لي ألا أتركه‏,‏ فعدت بعد أسبوع لزيارته‏,‏ فوجدته
نائما علي كنبة ببلكونة المنزل‏,‏ وعلمت أن شقيقتي كانت تكلفه بنظافة المنزل‏,‏
ومسحه‏,‏ وكأنه خادمة‏,‏ حتي إن زجاج الشباك أصاب إصبعه‏,‏ فلم تكلف نفسها عناء
علاجه‏,‏ وتركته ينزف ويعاني‏!!‏


أمسك بيدي ورجلي‏,‏ وترجاني أن
أعود به إلي حجرته‏,‏ ووعدني أنه سيطلب من أولاد الحلال سداد ما أنفقناه عليه في
علاجه‏,‏ أخذته‏,‏ وذهبت به إلي حجرته الصغيرة التي يسكن بها في مدينة طنطا‏,‏
وأعطيت أموالا لشيخ المسجد لكي يقوم علي رعايته‏,‏ ثم سافرت‏,‏ وما إن نزلت في محطة
القطار‏,‏ إلا ووجدتني أعود مرة أخري‏,‏ وأستقل القطار العائد إلي طنطا‏,‏ وعندما
دخلت عليه انهار في البكاء‏,‏ وقال كنت أعلم أنك ستعودين‏,‏ أنت فقط من أشعر بك‏,‏
استلقيت في حضنه ـ لأول مرة ـ إنه أبي يأخذني في حضنه الدافيء‏,‏ بكيت علي كتفيه‏,‏
غمرت وجهه الدموع‏,‏ ثم سألني‏:‏ هل سامحتيني‏..‏ فرحت في صمت عميق‏,‏ ولكنه ليس
علامة عن الرضا‏!!‏


لم أستطع أن أتركه بعد كل
ذلك‏,‏ واصطحبته معي إلي شقتي‏,‏ كنت أبحث عن رضا ربي‏,‏ قبل أي شيء‏,‏ علي الرغم
من النار الدفينة التي كانت تسكن أحشائي مما فعله معنا‏..‏ عشنا معا فترة شعرت فيها
ـ لأول مرة ـ بطعم أن يكون لك أب يربت علي كتفيك‏,‏ يحنو عليك‏,‏ كنت أدخل الشقة
فأجده واقفا في الشباك ينتظرني‏,‏ ويطمئن علي‏,‏ كان يطلب مني أن آخذه إلي مقبرة
والدتي‏,‏ وعندما وقف أمامها‏,‏ بدأ في قراءة القرآن‏,‏ وبكي كثيرا‏,‏ ثم طلب منها
أن تسامحه‏,‏ وأن تشفع له عند الله ليسامحه‏.‏


لا أنسي هذه الأوقات التي كان
يساعدني فيها في لملمة أوراقي التي كنت أحضرها معي للعمل بالمنزل‏,‏ ثم نبدأ في
اللعب علي الكمبيوتر‏,‏ لم أعد أحتمل البيت بدونه‏,‏ فقد كان يذهب لزيارة حجرته‏,‏
التي كان يسكن بها‏,‏ فلم أتحمل هذه الساعات‏,‏ وذهبت فورا لإحضاره‏,‏ لا أخفي
عليكم سيدي‏,‏ أنه حتي النوم أصبح له طعم في وجوده‏,‏ فكنت أستغرق في النوم‏,‏ وأنا
مطمئنة أن أبي معي في المنزل‏,‏ يحرسني بدعواته التي لا تنقطع‏,‏ ربنا يكفيك شر
عباده يا بنتي‏!!‏


في هذه الأوقات قررت أن أذهب
لقضاء العمرة‏,‏ وعندما أخبرته‏,‏ ضحك‏,‏ وقال‏:‏ أوعي تفقدي الذاكرة‏..‏وبكي‏,‏
وقال لي‏,‏ ومن سيزورني‏,‏ ثم بدأ يوصيني بالدعاء‏,‏ ووعدته بأن أصطحبه معي في
المرة القادمة‏,‏ سافرت بعد أن أعطيته تليفونا محمولا لكي أطمئن عليه‏,‏ وبعدها
علمت أنه مرض‏,‏ ولم يجد أحدا يدخله المستشفي‏,‏ وبعد أن قضيت عمرة رمضان‏,‏ عدت‏,‏
وأخذته إلي المستشفي‏,‏ كان يعاني في هذه المرة‏,‏ يبتسم كثيرا‏,‏ ويبكي أكثر‏,‏
ويشرد بناظريه أكثر وأكثر‏..‏ وكان يردد دائما‏:‏ تري يا ربي هل خففت عذابك عني‏,‏
تري هل تقبلت دعوتي؟‏..‏ هدأته‏,‏ وقلت له‏:‏ ارحم نفسك‏,‏ ولأول مرة نبض قلبي
بالدعاء له‏,‏ أن يشفيه‏,‏ تركته في اليوم التالي‏,‏ وذهبت لعملي‏,‏ وعدت مسرعة بعد
أن اتصلت بي الممرضة‏,‏ لتخبرني أنه في غيبوبة‏,‏ فاقتحمت حجرة الرعاية المركزة‏,‏
ورميت نفسي فوق صدره‏,‏ وبكيت‏,‏ كما لم أبك من قبل‏,‏ وصرخت بأعلي صوتي‏..‏
يارب‏,‏ دعه يشعر بي‏,‏ ولو لحظة واحدة‏,‏ لكي أقول له‏:‏ سامحني‏..‏ سامحني علي كل
لحظة عاملتك فيها بجفاء‏,‏ فقد كان كل ذلك رغما عني‏..‏ جلست عند قدميه‏,‏
وقبلتهما‏,‏ ثم قبلت رأسه‏,‏ واستحلفته ألا يتركني‏,‏ وطلبت
منه

أن يغفر لي‏,‏ ثم ذهبت
لأصلي‏,‏ وما هي إلا لحظات‏,‏ وحضرت الممرضة‏,‏ لتقول
لي‏:‏ البقاء لله‏!...‏


رحل أبي‏,‏ ورحت أنا في
غيبوبة‏,‏ وعلمت بعد أن أفقت أن أعمامي رفضوا دفنه في مقابرهم‏,‏ فدفنه خالي في
مقابر العائلة‏,‏ بجوار أمي‏,‏ التي رفض ـ سابقا ـ استلام جثتها‏,‏ وياللقدر
ياسيدي‏,‏ فربما تكون قد سامحته هي الأخري‏!‏


الآن سيدي
لم أعد أجد من ينتظرني بالمنزل‏,‏ لم يعد هناك من يدعو لي‏,‏ أصبحت أعيش في وحشة
الوحدة‏,‏ ويبدو أن انتقام الله قد بدأ معنا‏.الانتقام قصة واقعية 36_1_10%5B1%5D.‏ نعم
سيدي لقد بدأ انتقام الله معي‏,‏ وأخواتي‏,‏ فقد مرضت بهوس نفسي‏,‏ كنت أقطع
هدومي‏,‏ وأجري في الشارع‏,‏ وأصرخ‏,‏ وأبكي‏..‏ أضحك‏,‏ وأرقص‏,‏ ثم أعود لأصرخ‏:‏
أبويا مات‏..‏ ياناس‏,‏ أبويا مات‏!!‏


أما شقيقاتي‏,‏ فسوف أقول لك
ماحدث لواحدة منهن فقط‏,‏ وهي التي كانت تطعم أبي العيش الناشف فقد أصابها مرض
البهاق في جسدها كله‏,‏ ولم يتحملها أحد‏,‏ حتي أولادها‏,‏ وزوجها‏,‏ وطلبوا مني أن
آخذها لتعيش معي‏!!‏


سيدي‏..‏ قل ما شئت لنا‏,‏
فنحن في انتظار كلماتك‏,‏ أيقظ ضمائرنا‏,‏ ولكن قبل ذلك كله مازال لدي سؤال أبحث له
عن إجابة‏:‏ هل سامحني أبي؟‏!‏








[b]رد الاستاذ خيري رمضان
:

سيدتي‏..‏
نعم أتذكرك جيدا‏,‏ فمثل تلك القصة لا يمكن أن تمحي من الذاكرة‏!‏ هل تصدقيني لو
قلت لك أني أحكي تلك القصة حتي الآن لكثير ممن ألتقي بهم‏,‏ كما يسألني كثير من
الأصدقاء والقراء عن حالة الأب أو بماذا انتهت حكايتكم‏,‏ وها أنت جئت بعد سنوات
لتضعي كلمة النهاية‏,‏ ولكن هل انتهت قصتكم أم
بدأت؟

سبق
وحذرتكم ـ ياعزيزتي ـ من أن المنتقم يرتكب نفس خطيئة المنتقم منه‏,‏ وأن والدكم
عندما عاد لم يكن هو هذا الوحش القديم الذي عذبكم وأهان والدتكم‏,‏ بل هو انسان
عائد بفطرته الأولي‏,‏ بخيره ومحبته وسلامه‏..‏ نعم نحن بشر ولسنا ملائكة‏,‏ قد
نجنح إلي الانتقام‏,‏ ولكن الله سبحانه وتعالي وضع ضوابطه لكبح جماح النفس
وتهذيبها‏,‏ فطالبنا بالعفو عند المقدرة‏,‏ ووعد الصابرين والعافين عن الناس بجنات
وخير كثير‏,‏ ونهانا عن معصية الوالدين وأمرنا بطاعتهما وألا نقول لهما أف ولا
ننهرهما ونصاحبهما في الدنيا معروفا حتي لو كان جهادهما للإشراك به سبحانه
وتعالي‏.‏

من عاد
إليكن ياسيدتي ليس والدكن قاسي القلب‏,‏ متجرد المشاعر‏,‏ الأناني المتغطرس‏..‏ من
عاد هو رجل مسن بائس‏,‏ قادكن العلي القدير إليه لترين انتقامه وليكن درسا لكن
تتعلمن منه وتوقن بأنه سبحانه وتعالي يمهل ولا يهمل‏..‏ وبدلا من تأمل قدرة الله
وفهم رسالته العظيمة‏,‏ تحرك الوحش في داخلكن‏,‏ واستمتعتن بالشر‏,‏ ووجدتن لذة
مرضية في إيذاء رجل عاجز فاقد للذاكرة‏,‏ ليس فيه من والدكن إلا الجسد فبالغتن في
إهانته وإذلاله‏,‏ وهو التائب النادم علي أشياء لا يذكرها بل ينكرها علي أي أب‏,‏
يخجل منها ويلتمس لكن العذر في الإساءة إليه‏.‏

سيدتي‏..‏
إنها النفس الأمارة بالسوء‏,‏ التي أخرجت الوحش الكامن فيكن حتي أشقائه‏,‏ خشوا علي
ما ورثوه عنه‏,‏ وتجاهلوا أنه حي يرزق‏,‏ وأن ماامتلكوه هو مال حرام سيحرق حتما
قلوبهم وأولادهم‏,‏ ولو كنت منهم الآن لتصدقت بكل ما ورثوه علي روحه‏,‏ فعليهم أن
يسارعوا بتوبة إلي ربهم لعله سبحانه وتعالي يغفر لهم ويتقبل
منهم‏.‏

سيدتي‏..‏ الحمد لله أن ضميرك قد استيقظ قبل رحيل والدك‏,‏ فجعلك
تستمتعين بوجوده معك‏,‏ لذا هوني علي نفسك‏,‏ اطلبي المغفرة والتوبة‏,‏ صلي من
أجله‏,‏ تصدقي وادعي له بالرحمة‏,‏ وثقي في مغفرة الله فأبواب التوبة مشرعة
للتائبين‏,‏ وما يطمئنك أنه مات وهو راض عنك‏,‏ محبا لك‏,‏ ملتمسا كل الأعذار لما
فعلته معه من تصرفات لا تليق بأبنة تجاه والدها في مثل هذه
الظروف‏.‏

الأزمة
الحقيقية ـ ياعزيزتي ـ في شقيقتيك وقلبيهما المتحجرين‏,‏ فقد نقلت لنا ما لحق
باحداهما من انتقام إلهي‏,‏ ولم تذكري إذا كانت أفاقت من غفلتها واستقبلت الرسالة
الإلهية‏,‏ أم مازال قلبها غلفا ؟‏..‏ لعلها تلحق بنفسها وتستغفر الله وتتوب إليه
وكذلك شقيقتك الأخري‏,‏ فانتقام الله قادم لا محالة ومن يقتل الوحش بداخله فقد
نجا‏,‏ أما من يستسلم له‏,‏ فلن يجني إلا عذابا في الدنيا والآخرة‏,‏ وإلي لقاء
بإذن الله‏.‏
[/b]
M|N
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو مازن
عضو جديد



عدد المساهمات : 19
تاريخ التسجيل : 08/03/2010

الانتقام قصة واقعية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الانتقام قصة واقعية   الانتقام قصة واقعية I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 13, 2010 11:28 pm

♥ يسلمو الله يعطيك العافية ♥
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الانتقام قصة واقعية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: ღ♥ღ الأقسام الثقافية و الأدبية ღ♥ღ :: القصص و الروايات-
انتقل الى: